Admin Admin
تاريخ الميلاد : 01/11/1985 عدد المساهمات : 319 نقاط : 531 تاريخ التسجيل : 13/02/2010 العمر : 39
| موضوع: قصة يوسف بن راحيل عليه السلام السبت فبراير 27, 2010 4:14 pm | |
|
قصة يوسف بن راحيل عليه السلام
ذكر ما وقع من الأمور العجيبة في حياة إسرائيل فمن ذلك :قصة يوسف بن راحيل عليه السلام
وقد أنزل الله عز وجل في شأنه وما كان من أمره سورة من القرآن العظيم ، ليتدبر ما فيها من الحكم والمواعظ والآداب والأمر الحكيم . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : " الر تلك آيات الكتاب المبين * إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون * نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين " .
قد تكلمنا على الحروف المقطعة في أول تفسير سورة البقرة ، فمن أراد تحقيقه فلينظره ثم ، وتكلمنا على هذه السورة مستقصى في موضعها من التفسير . ونحن نذكر هاهنا نبذاً مما هناك على وجه الإيجاز والنجاز .
وجملة القول في هذا المقام : أنه تعالى يمدح كتابه العظيم الذي أنزله على عبده ورسوله الكريم ، بلسان عربي فصيح ، بين واضح جلي ، يفهمه كل عاقل ذكي زكي ، فهو أشرف كتاب نزل من السماء ، أنزله أشرف الملائكة على أشرف الخلق في أشرف زمان ومكان ، بأفصح لغة وأظهر بيان .
فإن كان السياق في الأخبار الماضية أو الآتية ذكر أحسنها وأبينها وأظهر الحق مما اختلف الناس فيه ، ودمغ الباطل وزيفه ورده .
وإن كان في الأوامر والنواهي فأعدل الشرائع وأوضح المناهج ، وأبين حكماً وأعدل حكماً . فهو كما قال تعالى : " وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا " .
يعني صدقاً في الأخبار ، وعدلاً في الأوامر والنواهي .
ولهذا قال تعالى : " نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين " . أي بالنسبة إلى ما أوحي إليك فيه .
كما قال تعالى : " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم * صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور " .
وقال تعالى : " كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا * من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا * خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا " .
يعني من أعرض عن هذا القرآن واتبع غيره من الكتب فإنه يناله هذا الوعيد . كما قال في الحديث المروي في المسند و الترمذي عن أمير المؤمنين علي ، مرفوعاً وموقوفاً : " من ابتغى الهدى في غيره أضله الله " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا سريج بن النعمان ، حدثنا هشام ، أنبأنا خالد عن الشعبي عن جابر : أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب ، فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم قال : فغضب وقال : " أتتهوكون فيها يا ابن الخطاب ؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية . لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبونه أو بباطل فتصدقونه ، والذي نفس بيده لو أن موسى كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني " . إسناد صحيح .
ورواه أحمد من وجه آخر عن عمر وفيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ، إنك حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين " .
وقد أوردت طرق هذا الحديث وألفاظه في أول سورة يوسف . وفي بعضها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال في خطبته : " أيها الناس . . إني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه ، واختصر لي اختصاراً ، وقد أتيتكم بها بيضاء نقية فلا تتهوكوا ، ولم يغرنكم المتهوكون " ثم أمر بتلك الصحيفة فمحيت حرفاً حرفاً .
" إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين * قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين * وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم " .
قد قدمنا أن يعقوب كان له من البنين اثنا عشر ولداً ذكراً وسميناهم وإليهم تنسب أسباط بني إسرائيل كلهم ، وكان أشرفهم وأجلهم وأعظمهم يوسف عليه السلام .
وقد ذهب طائفة من العلماء إلى أنه لم يكن فيهم نبي غيره ، وباقي إخوته لم يوح إليهم .
وظاهر ما ذكر من فعالهم ومقالهم في هذه القصة يدل على هذا القول .
ومن استدل على نبوتهم بقوله : " قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط " وزعم أن هؤلاء هم الأسباط فليس استدلاله بقوي ، لأن المراد بالأسباط شعوب بني إسرائيل وما كان يوجب فيهم من الأنبياء الذين ينزل عليهم الوحي من السماء . . والله أعلم .
ومما يؤيد أن يوسف عليه السلام هو المختص من بين إخوته بالرسالة والنبوة أنه ما نص على واحد من إخوته سواه ، فدل على ما ذكرناه .
ويستأنس لهذا بما قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا عبد الرحمن ، عن عبد الله ابن دينار ، عن أبيه عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم " .
انفرد به البخاري ، فرواه عن عبد الله بن محمد وعبدة عن عبد الصمد بن عبد الوارث به . وقد ذكرنا طرفه قي قصة إبراهيم بما أغنى عن إعادته هنا . . ولله الحمد والمنة .
قال المفسرون وغيرهم : رأى يوسف عليه السلام وهو صغير قبل أن يحتلم ، كأن أحد عشر كوكباً ، وهم إشارة إلى بقية إخوته ، والشمس والقمر وهما عبارة عن أبويه ، قد سجدوا له ، فهاله ذلك .
فلما استيقظ قصها على أبيه ، فعرف أبوه أن سينال منزلة عالية ورفعة عضيمة في الدنيا والآخرة ، بحيث يخضع له أبوه وإخوته فيها ، فأمره بكتمانها وألا يقصها على إخوته ، كيلا يحسدوه ويبغوا له الغوائل ويكيدوه بأنواع الحيل والمكر ، وهذا يدل على ما ذكرناه .
ولهذا جاء في بعض الآثار : استعينوا على قضاء حوائجكم بكتمانها ، فإن كل ذي نعمة محسود .
وعند أهل الكتاب أنه قصها على أبيه وإخوته معاً ، وهو غلط منهم .
" وكذلك يجتبيك ربك " أي وكما أراك هذه الرؤيا العظيمة ، فإذا كتمتها " يجتبيك ربك " أي يخصك بأنواع اللطف والرحمة " ويعلمك من تأويل الأحاديث " أي يفهمك من معاني الكلام وتعبير المنام ما لا يفهمه غيرك .
" ويتم نعمته عليك " أي بالوحي إليك " وعلى آل يعقوب " أي بسببك ويحصل لهم بك خير الدنيا والآخرة . " كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق " أي ينعم عليك ويحسن إليك بالنبوة ، كما أعطاها أباك يعقوب ، وجدك إسحاق ، ووالد جدك إبراهيم الخليل ، " إن ربك عليم حكيم " كما قال تعالى : " الله أعلم حيث يجعل رسالته " .
لهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل : أي الناس أكرم ؟ قال : " يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله " .
وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسيريهما ، وأبو يعلى والبزار في مسنديهما ، من حديث الحكم بن ظهير - وقد ضعفه الأئمة - عن السدي عن عبد الرحمن بن سابط ، عن جابر قال : أتي النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود يقال له : بستانة اليهودي ، فقال : يا محمد . . أخبرني عن الكوا كب التي رآها يوسف أنها ساجدة له ما أساؤها ؟ قال : فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجبه بشيء ، ونزل جبريل عليه السلام بأسمائها . قال : فبعث إليه رسول الله فقال : " هل أنت مؤمن إن أخبرتك بأسمائها " قال : نعم . فقال : " هي جريان ، والطارق ، والذيال ، وذو الكتفان ، وقابس ، ووثاب ، وعمودان ، والفيلق ، والمصبح ، والضروح ، وذو الفرع ، والضياء ، والنور " .
فقال اليهودي : أي والله إنها لأسماؤها . وعند أبي يعلى : فلما قصها على أبيه قال : هذا أمر مشتت يجمعه الله ، والشمس أبوه والقمر أمه .
" لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين * إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين * اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين * قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين " .
ينبه تعالى على ما في هذه القصة من الآيات والحكم ، والدلالات المواعظ والبينات . ثم ذكر حسد إخوة يوسف له على محبة أبيه له ولأخيه - يعنون شقيقه لأمه بنيامين - أكثر منهم ، وهم عصبة أي جماعة يقولون : فكنا نحن أحق بالمحبة من هذين " إن أبانا لفي ضلال مبين " أي بتقديمه حبهما علينا .
ثم اشتوروا فيما بينهم في قتل يوسف ، أو إبعاده إلى أرض لا يرجع منها ، ليخلوا لهم وجه أبيهم : أي لتتمحض محبته لهم وتتوفر عليهم ، وأضمروا التوبة بعد ذلك .
فلما تمالئوا على ذلك وتوافقوا عليه : " قال قائل منهم " قال مجاهد : هو شمعون ، وقال السدي : هو يهوذا . وقال قتادة ومحمد بن إسحاق : هو أكبرهم روبيل : " لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة " أي المارة من المسافرين " إن كنتم فاعلين " ما تقولون لا محالة ، فليكن هذا الذي أقول لكم . فهو أقرب حالاً من قتله أو نفيه وتغريبه .
فأجمعوا رأيهم على هذا ، فعند ذلك " قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون * أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون * قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون * قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون " طلبوا من أبيهم أن يرسل معهم أخاهم يوسف ، وأظهروا له أنهم يريدون أن يرعي معهم ، وأن يلعب وينبسط وقد أضمروا له ما الله به عليم .
فأجابهم الشيخ ، عليه من الله أفضل الصلاة والتسليم : يا بني . . يشق علي أن أفارقه ساعة من النهار ، ومع هذا أخشى أن تشغلوا في لعبكم وما أنتم فيه ، فيأتي الذئب فيأكله ، ولا يقدر على دفعه عنه لصغره وغفلتكم عنه .
" قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون " أي لئن عدا عليه الذئب فأكله من بيننا ، أو اشتغلنا عنه حتى وقع هذا ونحن جماعة ، إنا إذن لخاسرون ، أي عاجزون هالكون .
وعند أهل الكتاب : أنه أرسله وراءهم يتبعهم ، فضل عن الطريق حتى أرشده رجل إليهم ، وهذا أيضاً من غلطهم وخطئهم في التعريب ، فإن يعقوب عليه السلام كان أحرص عليه من أن يبعثه معهم فكيف يبعثه وحده .
" فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون * وجاؤوا أباهم عشاء يبكون * قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين * وجاؤوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون " .
لم يزالوا بأبيهم حتى بعثه معهم ، فما كان إلا أن غابوا عن عينيه ، فجعلوا يشتمونه ويهينونه بالفعال والمقال ، وأجمعوا على إلقائه في غيابة الجب ، أي في قعره على راعونته ، وهي الصخرة التي تكون في وسطه يقف عليها الماتح وهو الذي ينزل لميلأ الدلاء إذا قل الماء ، والذي يرفعها بالحبل يسمى الماتح .
فلما ألقوه فيه ، أوحى الله إليه : أنه لا بد لك من فرج ومخرج من هذه الشدة التي أنت فيها ، ولتخبرن إخوتك بصنيعهم هذا في حال أنت فيها عزيز ، وهم محتاجون إليك خائفون منك ، " وهم لا يشعرون " .
قال مجاهد وقتادة : وهم لا يشعرون بإيحاء الله إليه ذلك . وعن ابن عباس : " وهم لا يشعرون " أي لتخبرنهم بأمرهم هذا في حال لا يرفونك فيها ، رواه ابن جرير عنه .
فلما وضعوه فيه ورجعوا عنه ، أخذوا قميصه فلطخوه بشيء من دم ، ورجعوا إلى أبيهم عشاء وهم يبكون ، أي على أخيهم . ولهذا قال بعض السلف : لا يغرنك بكاء المتظلم فرب ظالم وهو باك ! وذكر بكاء إخوة يوسف وقد جاءوا أباهم عشاء يبكون ، أي في ظلمة الليل ، ليكون أمشى لغدرهم لا لعذرهم .
" قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا " أي ثيابنا " فأكله الذئب " أي في غيبتنا عنه في استباقنا . وقولهم : " وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين " أي ما أنت بمصدق لنا في الذي أخبرناك من أكل الذئب له ، ولو كنا غير متهمين عندك .
فكيف وأنت تتهمنا في هذا ؟ فإنك خشيت أن يأكله الذئب ، وضمنا لك ألا يأكله لكثرتنا حوله ، فصرنا غير مصدقين عندك ، فمعذور أنت في عدم تصديقك لنا والحالة هذه .
" وجاؤوا على قميصه بدم كذب " أي مكذوب مفتعل ، لأنهم عمدوا إلى سخلة ذبحوها . فأخذوا من دمها فوضعوه على قميصه ، ليوهموه أنه أكله الذئب . قالوا : ونسوا أن يحرقوه ، وآفة الكذب النسيان ! ولما ظهرت عليهم علائم الريبة لم يرج صنيعهم على أبيهم ، فإنه كان يفهم عداوتهم له ، وحسدهم إياه على محبته له من بينهم أكثر منهم ، لما كان يتوسم فيه من الجلالة والمهابة التي كانت عليه في صغره لما يريد الله أن يخصه به من نبوته . ولما راودوه عن أخذه فبمجرد ما أخذوه أعدموه ، وغيبوه عن عينيه وجاءوا وهو يتباكون ، وعلى ما تمالئوا يتواطئون . ولهذا : " قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون " .
وعند أهل الكتاب : أن روبيل أشار بوضعه في الجب ليأحذه من حيث لا يشعرون ويرده إلي أبيه ، فغافلوه وباعوه لتلك القافلة . فلما جاء روبيل آخر النهار ليخرج يوسف لم يجده ، فصاع وشق ثيابه ، وعمد أولئك إلى جدى فذبحوه ، ولطخوا من دمه جبة يوسف ، فلما علم يعقوب شق ثيابه ، ولبس مئزراً أسود وحزن على ابنه أياماً كثيرة ، وهذه الركاكة جاءت من خطئهم في التعبير والتصوير .
" وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون * وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين * وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون * ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين " .
يخبر الله تعالى عن قصة يوسف حين وضع في الجب : أنه جلس ينتظر فرج الله ولطفه به ، فجاءت سيارة ، أي مسافرون . قال أهل الكتاب : كانت بضاعتهم من الفستق والصنوبر والبطم قاصدين ديار مصر من الشام ، فأرسلوا بعضهم ليستقوا من ذلك البئر ، فلما أدلى أحدهم دلوه تعلق فيه يوسف .
فلما رآه ذلك الرجل " قال يا بشرى " أي يا بشارتي " هذا غلام وأسروه بضاعة " أي أوهموا أنه معهم غلام من جملة متجرهم " والله عليم بما يعملون " أي هو عالم بما تمالأ عليه إخوته ، وبما يسره واجدوه من أنه بضاعة لهم ، ومع هذا لا يغيره تعالى ، لما له في ذلك من الحكمة العظيمة والقدر السابق والرحمة بأهل مصر ، بما يجري الله على يدي هذا الغلام الذي يدخلها في صورة أسير رقيق ، ثم بعد هذا يملكه أزمة الأمور وينفعهم الله به في دنياهم وأخراهم ، بما لا يحد ولا يوصف .
ولما استشعر إخوة يوسف بأخذ السيارة له لحقوهم ، وقالوا هذا غلامنا أبق منا ، فاشتروه منهم بثمن بخس ، أي قليل نزر ، وقيل هو الزيف : " دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين " .
قال ابن مسعود وابن عباس ونوف البكالي والسدي وقتادة وعطية العوفي : باعوه بعشرين درهماً . اقتسموها درهمين . وقال مجاهد : اثنان وعشرون درهماً . وقال عكرمة ومحمد بن إسحاق : أربعون درهماً . . والله أعلم .
" وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه " أي أحسني إليه " عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا " وهذا من لطف الله به ورحمته وإحسانه إليه ، بما يريد أن يؤهله له ويعطيه من خيري الدنيا والآخرة .
قالوا : وكان الذي اشتراه من أهل مصر عزيزها وهو الوزير بها ، الذي الخزائن مسلمة إليه . قال ابن إسحاق : واسمه أطفير بن روحيب قال : وكان ملك مصر يومئذ الريان بن الوليد ، رجل من العماليق . قال : واسم امرأة العزيز : راعيل بنت رماييل . وقال غيره : كان اسمها زليخا والظاهر أنه لقبها . وقيل فكا بنت ينوس ، رواه الثعلبي عن ابن هشام الرفاعي .
وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن السائب عن أبي صالح ، عن ابن عباس : كان اسم الذي باعه بمصر - يعني الذي جلبه إليها - مالك بن زعر بن نويت بن مديان بن إبراهيم . . والله أعلم .
وقال ابن إسحاق عن أبي عبيدة عن ابن مسعود قال : أفرس الناس ثلاثة : عزيز مصر حيث قال لامرأته " أكرمي مثواه " والمرأة التي قالت لأبيه عن موسى : " يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين " وأبو بكر الصديق حين استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنهما .
ثم قيل : اشتراه العزيز بعشرين ديناراً ، وقيل بوزنه مسكاً ووزنه حريراً ووزنه ورقاً . . والله أعلم .
وقوله : " وكذلك مكنا ليوسف في الأرض " أي وكما قيضنا هذا العزيز وامرأته يحسنان إليه ، ويعتنيان به ، مكنا له في أرض مصر " ولنعلمه من تأويل الأحاديث " أي فهمها ، وتعبير الرؤيا من ذلك " والله غالب على أمره " أي إذا أراد شيئاً فإنه يقيض له أسباباً وأموراً لا يهتدى إليها العباد . ولهذا قال تعالى : " ولكن أكثر الناس لا يعلمون " .
" ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين " فدل على أن هذا كله كان وهو قبل بلوغ الأشد ، وهو حد الأربعين الذي يوحى الله فيه إلى عباده النبيين ، عليهم الصلاة والسلام من رب العالمين .
وقد اختلفوا في مدة العمر الذي هو بلوغ الأشد : فقال مالك وربيعة وزيد بن أسلم الشعبي : هو الحلم . وقال سعيد بن جبير : ثماني عشرة سنة . وقال الضحاك : عشرون سنة ، وقال عكرمة : خمس وعشرون سنة . وقال السدي : ثلاثون سنة . وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة : ثلاتة وثلاثون سنة . وقال الحسن : أربعون سنة ، ويشهد له قوله تعالى : " حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة " .
" وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون * ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين * واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم * قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين * وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين * فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم * يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين " .
يذكر تعالى ما كان من مراودة امرأة العزيز ليوسف عليه السلام عن نفسه وطلبها منه ما لا يليق بحاله ومقامه ، وهي في غاية الجمال والمال ، والمنصب والشباب ، وكيف غلقت الأبواب عليها وعليه . وتهيأت له وتصنعت ، ولبست أحسن ثيابها وأفخر لباسها ، وهي مع هذا كله امرأة الوزير . قال ابن إسحاق : وبنت أخت الملك الريان ابن الوليد صاحب مصر .
وهذا كله من أن يوسف عليه السلام شاب بديع الجمال والبهاء ، إلا أنه نبي من سلالة الأنبياء ، فعصمه ربه عن الفحشاء ، وحماه عن مكر النساء ، فهو سيد السادة النجباء ، السبع الأتقياء ، المذكورين في الصحيحين عن خاتم الأنبياء ، في قوله عليه الصلاة والسلام من رب الأرض والسماء : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ، ورجل معلق قلبه بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله " .
والمقصود أنها دعته إليها وحرصت على ذلك أشد الحرص ، فقال " معاذ الله إنه ربي " يعنى زوجها صاحب المنزل سيدي " أحسن مثواي " أي أحسن إلي وأكرم مقامي عنده " إنه لا يفلح الظالمون " وقد تكلمنا على قوله تعالى : " ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه " بما فيه كفاية ومقنع في التفسير .
وأكثر أقوال المفسرين هاهنا متلقي من كتب أهل الكتاب ، فالإعراض عنه أولى بنا .
والذي يجب أن يعتقد : أن الله تعالى عصمه وبرأه ، ونزهه عن الفاحشة وحماه عنها وصانه منها ، ولهذا قال تعالى : " كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين " .
" واستبقا الباب " أي هرب منها طالباً الباب ليخرج منه فراراً منها فاتبعته في أثره " وألفيا " أي وجدا " سيدها " أي زوجها " لدى الباب " فبدرته بالكلام وحرضته عليه " قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم " اتهمته وهي المتهمة وبرأت عرضها ونزهت ساحتها ، فلهذا قال يوسف عليه السلام : " هي راودتني عن نفسي " احتاج إلى أن يقول الحق عند الحاجة .
" وشهد شاهد من أهلها " قيل كان صغيراً في المهد . قاله ابن عباس ، وروى عن أبي هريرة وهلال بن يساف والحسن البصري وسعيد بن جبير والضحاك ، واختاره ابن جرير ، وروى فيه حديثاً مرفوعاً عن ابن عباس ، ووقفه غيره عنه .
وقيل كان رجلاً قريباً إلى وقطفير بعلها ، وقيل قريباً إليها ، وممن قال إنه كان رجلاً : ابن عباس وعكرمة ومجاهد والحسن وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق وزيد بن أسلم .
فقال : " إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين " أي لأنه يكون قد راودها فدافعته حتى قدت مقدم قميصه . " وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين " أي لأنه يكون قد هرب منها فاتبعته وتعلقت فيه فانشق قميصه لذلك ، وكذلك كان ولهذا قال تعالى : " فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم " أي هذا الذي جرى من مكركن ، أنت راودتيه عن نفسه ، ثم اتهمتيه بالباطل .
ثم أضرب بعلها عن هذا صفحاً فقال : " يوسف أعرض عن هذا " أي لا تذكره لأحد ، لأن كتمان مثل هذه الأمور هو الأليق والأحسن ، وأمرها بالإستغفار لذنبها الذي صدر منها والتوبة إلى ربها ، فإن العبد إذا تاب إلى الله تاب الله عليه .
وأهل مصر وإن كانوا يعبدون الأصنام ، إلا أنهم يعلمون أن الذي يغفر الذنوب ويؤاخذ بها هو الله وحده لا شريك له في ذلك . ولهذا قال لها بعلها ، وعذرها من بعض الوجوه ، لأنها رأت ما لا صبر لها على مثله ، إلا أنه عفيف نزيه برىء العرض سليم الناحية فقال : " استغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين " .
" وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين * فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكئا وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم * قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين * قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين * فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم " .
يذكر تعالى ما كان من قبل نساء المدينة ، من نساء الأمراء وبنات الكبراء في الطعن على امرأة العزيز وعيبها ، والتشنيع عليها في مراودتها فتاها ، وحبها الشديد له ، وهو لا يساوي هذا ، لأنه مولى من الموالي وليس مثله أهلا لهذا . ولهذا قلن : " إنا لنراها في ضلال مبين " أي في وضعها الشيء في غير محله .
" فلما سمعت بمكرهن " أي بتشنيعهن عليها والتنقص لها ، والإشارة إليها بالعيب والمذمة بحب مولاها وعشق فتاها ، فأظهرن ذماً وهي معذورة في نفس الأمر ، فلهذا أحبت أن تبسط عذرها عندهن ، وتبين أن هذا الفتي ليس كما حسبن ، ولا من قبيل ما لديهن . فأرسلت إليهن فجمعتهن في منزلها ، وأعتدت لهن ضيافة مثلهن ، وأحضرت جملة ذلك شيئاً مما يقطع بالسكاكين ، كالأترج ونحوه ، وآتت كل واحدة منهن سكيناً ، وكانت قد هيأت يوسف عليه السلام ، وألبسته أحسن الثياب وهو في غاية طراوة الشباب وأمرته بالخروج عليهن بهذه الحالة ، فخرج وهو أحسن من البدر لا محالة .
" فلما رأينه أكبرنه " أي أعظمنه وأجللنه وهبنه ، وما ظنن أن يكون مثل هذا في بني آدم ، وبهرهن حسنه حتى اشتغلن عن أنفسهن ، وجعلن يحززن في أيديهن بتلك السكاكين ولا يشعرن بالجراح " وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم " .
وقد جاء في حديث الإسراء : " فمررت بيوسف وإذا هو قد أعطي شطر الحسن " . قال السهيلي وغيره من الأئمة : معناه أنه كان على النصف من حسن آدم عليه السلام ، لأن الله تعالى خلق آدم بيده ، ونفخ فيه من روحه ، فكان في غاية نهايات الحسن البشري . ولهذا يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم وحسنه ، ويوسف كان على النصف من حسن آدم . ولم يكن بينهما أحسن منهما ، كما أنه لم تكن أنثى بعد حواء أشبه بها من سارة امرأة الخليل عليه السلام .
قال ابن مسعود : وكان وجه يوسف مثل البرق ، وكانت إذا أتته امرأة لحاجة غطى وجهه . وقال غيره : كان في الغالب مبرقعاً لئلا يراه الناس . ولهذا لما قام عذرن امرأة العزيز في محبتها لهذا المعني المذكور ، وجرى لهن وعليهن ما جرى من تقطيع أيديهن بجراح السكاكين ، وما ركبهن من المهابة والدهش عند رؤيته ومعاينته .
" قالت فذلكن الذي لمتنني فيه " ثم مدحته بالعفة التامة فقالت : " ولقد راودته عن نفسه فاستعصم " أي امتنع " ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين " .
وكان بقية النساء حرضنه على السمع والطاعة لسيدته ، فأبي أشد الإباء ، ونأى لأنه من سلالة الأنبياء ، ودعا فقال في دعائه لرب العالمين : " رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين " يعنى إن وكلتني إلى نفسي ، فليس لي من نفسي إلا العجز والضعف ، ولا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله . فأنا ضعيف إلا ما قويتني وعصمتني وحفظتني . وحطتني بحولك وقوتك .
ولهذا قال تعالى : " فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم * ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين * ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين * قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون * واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون * يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار * ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون * يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان " .
يذكر تعالى عن العزيز وامرأته أنهم بدا لهم ، أي ظهر لهم من الرأي بعد ما علموا براءة يوسف أن يسجنوه إلى وقت ، ليكون ذلك أقل لكلام الناس في تلك القضية ، وأحمد لأمرها ، وليظهروا أنه راودها عن نفسها فسجن بسببها ، فسجنوه ظلماً وعدواناً .
وهذا مما قدر الله له ، ومن جملة ما عصمه به ، فإنه أبعد له عن معاشرتهن ومخالطتهم .
ومن هاهنا استنبط بعض الصوفية ما حكاه عنهم الشافعي : أن من العصمة ألا تجد !
قال الله : " ودخل معه السجن فتيان " قيل : كان أحدهما ساقي الملك واسمه فيما قيل بنوا والآخر خبازه ، يعنى الذي يلي طعامه ، وهو الذي يقوله له الترك الجاشنكير واسمه فيما قيل مجلث وكان الملك قد اتهمهما في بعض الأمور فسجنهما . فلما رأيا يوسف في السجن أعجبتهما سمته وهديه ، ودله وطريقته ، وقوله وفعله ، وكثرة عبادته ربه ، وإحسانه إلى خلقه ، فرأى كل واحد منهما رؤيا تناسبه .
| |
|